أمسك سامر هاتفه الجوال وبحث عن اسم زوجته في قائمة الإتصال قاصداً الحديث معها..
كان قرار الفراق الذي اتخذته زوجته ما يزال يشكل في نفسه صدمة، ولم يكن ليصدق أنها تريد أن تنهي هذا الزواج الذي إستمر لسنوات طويلة هكذا وبكل بساطة.
منذ شهور وسارة تحدثه عن قرارها وتجهد في إقناعه بأنها فرصته الأخيرة ليحتفظ بها وبعائلته، ولكنه كان يعتقد بأنها حركة من حركات النساء المدللات، وإعتقد أنه إكتشف بذكائه حيلة نسائية قديمة تعتقد الزوجات أنها تستطيع أن تؤجج بها مشاعر أزواجهن وتهز رجولة هؤلاء بها.
لم يعر للموعد الذي حددته سارة لمغادرتها المنزل بالاً، ولم يجهد ولو للحظة في البحث عن الأسباب أو التفكير في ما لو كانت سارة جادة هذه المرة، وقابل تلك الحيلة حسب إعتقاده برجولة إعتاد أن يتقنها طوال سنوات زواجهما وزاد من جرعات الألم التي إعتاد أن يسقيها لعائلته عندما يعبر عن رجولته بتلك الصرخات التي تمليها عليه عصبيته اللامحدودة.
وجد إسم سارة في القائمة على شاشة الهاتف المحمول الذي إشترته له كهدية عندما أخبرها أن شحن البطارية في هاتفه القديم قد نقص وقتها، ووضع يده على ذلك الزر الأخضر ليهاتفها ثم إستبطئ تلك الضغطة ليفكر في ما سيقوله لها عندما سيسمع صوتها من بعيد.
راح يحدث نفسه ويستجمع عباراته التي ستؤثر في قرار سارة وتعيدها نحوه مسرعة مشتاقة بعد أن طال غيابه وإبتعاده عن المنزل، وفكر في أن الإعتذار الذي لم يتقنه ولو لمرة واحدة في سنوات زواجهما سيكون أكثر أثراً.
فكر أنه سيعتذر لها عن خروجه الغريب من المنزل وتركها والأولاد دون أن يهتم لمصيرهم، وسيقول لها أنه كان يعرف جيداً أنها تمتلك مالاً يكفي لتنفق على نفسها والأولاد وأنه غضب بشدة عندما قرأ ما كتبته عنه وعن مشكلتها معه على حاسوبها المحمول، وأنه عندما قرأ كل تلك القصص التي روتها على حاسوبها قرر أن يبتعد هو بدلا منها.
سيخبرها أيضاً بأنه أراد لقلبها أن يفتقده ويشتاق إليه، وأنه حزين لأنها لم تسأل عنه طوال مدة غيابه، ولأنها لم تطلب منه العودة.
سيقول لها كم إفتقدها بجانبه، وكم إفتقد العطور التي ينثرها شعرها الناعم حولها، وتلك التي تنثرها كل يوم على ملاءات السرير عندما تقوم بترتيبه صباحاً.
سيخبرها أنه مغرم بأناقتها وأنه يحب فيها حتى إسرافها، وأنه يفتقد كل ملابسها الهادئة وأحذيتها الكثيرة التي طالما أحصاها مهددا ومتوعدا بغضب من الله لهذا الترف.
سيحكي لها عن إعجابه بصورتها وهي تطالع الكتب وتشرب الشاي الأخضر بنكهة الياسمين في أكوابها الجميلة، وسيبتسم وهو يصف لها دقات قلبه عندما يراها تكتب قصصها وفنجان قهوتها التركية الجميل بجانبها.
سيعترف لها بأنه يعتز بوجودها معه، وأنه يحب تعلقها بذراعه في الطريق رغم تلك التكشيرة التي لم تكن تفارق وجهه حينها، وسيخبرها بأن التكشيرة هي معيار من معايير الرجولة.
سيعتذر لها عن عنفه في قيادة السيارة وهي بجانبه، وسيعترف لها بأنه نادم لأنه كان يتعمد إزعاجها ليثبت رجولته، وسيعتذر أيضاً لأنه كان يغلق المسجل بعنف كلما حاولت أن تستمع لأغنية من أغنياتها المفضلة.
سيجد عذراً أيضاً لأنه منذ زمن طويل بات يرفض أن يأخذها والأولاد في نزهة ولو في السيارة، وسيشرح لها عن تلك الدروس في الاقتصاد التي كان يريد لها تعلمها ولم تقبل.
سيخبرها أيضاً بأن النزق والعصبية التي كرهته لأجلها هي عنوان من عناوين الرجولة، وأن الوجه المتجهم الذي بات يقابلها به ليل نهار هو عنوان أخر لها، وأن عنواناً للرجولة أيضأً يسمونه الإنشغال الدائم عن تلبية الطلبات والرد بكلمات مقتضبة على مكالماتها ومنها أيضاً أن يغفل عن رد السلام.
سيعتذر لأنه كان يرفض توصيلها لزياراتها القليلة، ولأنه كان يزعجها والأولاد بصراخه المتعمد في السيارة كلما قام بتوصيلهم نحو المدارس صباحاً أو نحو بيت جدهم، وسيعتذر لأنه كان يصل إلى بيت أهلها غاضبا منزعجاً ليعود بها وبالأولاد إلى البيت ليلاً، وسيعترف بأنه ندم لأنه كان يجبرهم على الركض نحوه أو التواجد في الشارع قبل وصوله في الأجواء الصعبة.
سيعتذر لها أيضاً لأنه كان يرفض توصيلها إلى عملها عندما يكون غاضبا منها أو في أيام الصيام، ولأنه كان يتركها تشقى في الصباح للبحث عن سيارة أجرة وهو نائم.
سيعتذر لها أيضاً لأنه كان يبوح بأسرارها لأمه ولأخته ولأنه كان يزيد في الأحداث بحثا عن تعاطفهما معه، ولأنه سمح لهما بالتدخل في شؤونهما في بداية حياتهما معا، ثم اضطرها للوقوف بوجههم جميعا عندما تعبت من ذلك التدخل المضني.
سيشكرها لأنها ربت الأولاد تربية رائعة، ولأنها علمتهم أمور دينهم وأخلاق حميدة وربطتهم بخالقهم ولأنها إعتنت بعباداتهم ودراستهم ومظهرهم، وسيقول لها بأنه يفخر بهم.
سيخبرها أيضاً بأنه يشتاق إلى أطباقها اللذيذة وإلى تلك المبتكرة والجديدة، وأنه يشتاق أيضاً إلى أدوات المائدة الحلوة التي تقتنيها.
سيعتذر طويلا عن سهراته وسفره مع أصحابه للترفيه من دونها ولأنه كان يتركها وحيدة مع الأولاد، وأنه كان يشعر بالأسى عندما يرى دموعها وهو يهم بالخروج.
سيخبرها أيضاً بأنه يحب ذوقها في إختيار ملابسه، وسيقرُّ بأنه كان يرى في عيون أصحابه وكلماتهم إعجاباً بما يرتديه من قطع غالية طالما أهدتها له، وسيعتذر أيضاً لأنه كان يتلقى هداياها من الملابس ببرود وتجهم ولأنه كان يرفض أن يقوم بتجربتها عندما تصل بها إلى المنزل حتى تنفجر باكية من تلك قسوته.
سيشكرها أيضاً لأنها صبرت معه عندما أفلس ولأنها ساندته بمالها ولأنها احتملت نكرانه وازدراءه لمواقفها تلك ولأنه كان يضحك من كل قلبه وهو مع رفاقه وينسى معنى الضحك أو الإبتسام عندما تكون هي معه.
سيعتذر لها أيضاً لأنه لم يقل لها يوما أنه يحبها أو أنه معجب بجمالها أو أناقتها أو حرفها وأن تلك الرجولة هي ما منعه من ذلك.
عندما همَّ بالضغط على الزر الأخضر تجلت له صورتها منتشية سعيدة، وخشي أن تصاب بغرور يزعزع عرش رجولته، ورأى أن يؤجل كل تلك الأحاديث لوقت لاحق، وأن يسألها ببساطة عن حال الأولاد من دونه ورأى أيضاً أن ذلك لن يتنافى ورجولته الحقيقية، وإبتسم طويلا لفكرته الذكية.
ضغط الزر وإبتسامة النصر ما زالت ترتسم على شفتيه، رن الجرس في الهاتف، أصلح من جلسته وإعتدل إستعداداً للحديث وقطب جبينه ليمحو أثار شوقه.
لم تتوقف الرنات.. ولم يسمع صوتها يجيبه.. ورفع حاجبيه دهشة وهو يلمح شبح الرجولة يغادر المكان.. ورنات الهاتف ما زالت تتردد فيه.
الكاتب: عبير النحاس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.